اسم الکتاب : الرسائل الأدبية المؤلف : الجاحظ الجزء : 1 صفحة : 479
يجوز المكاتبة فيه، وأنك أول من احتبى هناك واستاك وفرق شعره وعلم الخضاب أهله. وكيف وقد زعمت أن الاحتباء إنما صار فيهم وفي العرب لأن نازلة العمد والصحاري وسكان الفيافي والبراري وكل من ليس لشماله مرفقة ولا لظهره مسندة ولا لفخذه جنة لا بد أن يشتكي ظهره إذا طال انتصابه وكثر جلوسه، ومن احتاج احتال، ومن استغنى تبلد. فأخرجت لهم الحبكة للحبوة حتى قامت لهم مكان المتكأ والمسند. فقد قال لك كسرى: فما بال الترك والخزر وجميع أهل الصحاري والعمد لا يعرفون الاحتباء، والحاجة واحدة والعقول سليمة، فلم أمسكت يومئذ عن الجواب؟ ألأنه استفهم استفهام الراد أو نفست به على من شهد ذلك المشهد؟
[32- اسئلة على المعرفة وطرقها]
وأنا جعلت فداك أعلم إنّي أسمع ولا أعقل كيفية السمع، وأعلم أني أبصر ولا أعقل كيفية البصر، ولا أدري أمعدن العقل الدماغ والقلب بابه وطريقه، كما أن معدن اللون جميع النفس والعين بابه وطريقه، أم معدن العقل القلب دون الدماغ أو لعلهما موصولان غير مقطوعين. وقد اعتل قوم للدماغ بأن جميع الحواس في الرأس. واعتل قوم بالحس وبما يجدون في قلوبهم من الرعب والإضطراب وغير ذلك. فكيف القول فيه وعلام عزمت منه. وكيف صار الناظر يبتدي من جهة وإن كان يعرف الله فكيف عرفه، أباضطرار أم باكتساب. وكيف جهل سليمان موضع ملكة سبأ، وهو ملك وشأنه عظيم والجن له مسخرة والطير له برد والريح له أداة، وكيف جهل يوسف مكان أبيه وحاله في الحزن عليه حاله وهو ملك نبي، وكيف جهل أبوه مكانه وهو نبي، وليس أنبه من نبي، وملك هذا بالشام والآخر بمصر. وما تقول في أهل التيه وعن ترددهم أربعين عاما في مكان واحد وعقولهم معهم،
اسم الکتاب : الرسائل الأدبية المؤلف : الجاحظ الجزء : 1 صفحة : 479